أحد العائلة المقدّسة
يُسمّى اليوم الثاني للميلاد في الطقس الشرقيّ بعيد “تهنئة العذراء مريم بالطفل يسوع”، وتُقدّم فيه التهاني للأم العذراء. وفي الطقس اللاتينيّ يُكرّس يوم الأحد الّذي يلي الميلاد “للعائلة المقدّسة”، ويضُمّ العيد مريم، ويوسف، والطفل يسوع، تُتلى فيه صلوات خاصّة من أجل الحياة في عائلاتنا والتفاهم والتناغم بين الزوجين، وبين الأهل والأولاد.
« رأت عينايَ خلاصَك »
ماذا رأى سمعان الشيخ ليقول هذه الكلمات: رأت عينايَ خلاصَك؟ لقد كان سمعان رجل صلاة، وفي عمق قلبه أوحى إليه الروح القدس أنّه لن يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الربّ (لو2: 26).
الله معنا
أخبار ذات صلةالقراءات الكتابيّة * أشعيا 7: 10-14 في تلك الأَيّام: كَلَّمَ الرَّبُّ آحازَ قائِلاً: «سَلْ لِنَفسِكَ آيةً مِن عِندِ الرَّبِّ إِلهِكَ، سَلْها إِمَّا في العُمْقِ وإِمَّا في العَلاءَ مِن فَوقُ» فقالَ آحاز: «لا أَسأَلُ ولا أُجَرِّبُ الرَّبّ». قالَ (أَشَعْيا):...
القراءات الكتابيّة
* ميخا 5: 1 – 4
هَكَذا يَقولُ الرَّبّ: «وَأَنتِ يا بَيتَ لَحمُ أَفْراتَة، إِنَّكِ صِغيرةٌ في أُلوفِ يِهُوذا. ولكِن مِنكِ يَخرُجُ لي، مَن يَكونُ مُتَسَلِّطًا على إِسْرائيل، وَمَخارِجُه مُنذُ القَديم، مُنذُ أَيَّامِ الأَزَل. لِذَلِكَ يَتْرُكُهُم إلى حِينِ تَلِدُ الوالِدة، فَتَرْجِعُ بِقِيَّةُ إِخْوَتِه إِلى بَنِي إِسرائيل. ويَقِفُ ويَرْعى بِعِزَّةِ الرَّبّ وبِعَظَمَةِ اسمِ الرَّبِّ إِلهِه فيَكونونَ ساكِنين لِأَنَّه حينَئِذٍ يَتَعاظَمُ إِلى أَقاصي الأَرض.
* العبرانيّين 10: 5 – 10
لِذلِكَ قالَ المسيحُ عِندَ دُخولِه العالَم: «لم تَشَأْ ذَبيحَةً ولا قُرْبانًا ولكِنَّكَ أَعدَدتَ لي جَسَدًا. لم تَقْبَلِ المُحرَقاتِ ولا الذَّبائِحَ كَفَّارَةً للخَطايا. فقُلتُ حينَئذٍ (وقَد كانَ الكَلامُ عَلَيَّ في طَيِّ الكِتاب): هاءَنَذا آتٍ، أَللَّهُمَّ لأَعمَلَ بمَشيئَتِكَ». فقَد قالَ أَوَّلا: «ذَبائِحُ وقَرابينُ ومُحرَقاتٌ وذَبائحُ كَفَّارَةٌ لِلخَطايا لم تَشَأْها ولَم تَقْبَلْها» (معَ أَنَّها تُقَرَّبُ كَما تَقْضي الشَّريعَة). ثُمَّ قال: «هاءَنَذا آتٍ لأعمَلَ بِمَشيئَتِكَ». فقَد أَبطَلَ العِبادةَ الأُولى لِيُقيمَ العِبادةَ الأُخْرى. فَصِرْنا مُقَدَّسينَ بِفَضلِ تِلكَ الإِرادة، بِالقُرْبانِ الَّذي قُرِّبَ فيه جَسَدُ يَسوعَ مَرَّةً واحِدَة.
* لوقا 1: 39 – 45
وفي تلكَ الأَيَّام قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: «مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجًا في بَطْني، فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ».
العظة
“أنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ”، هكذا جاوبت مريم الملاك حين زارها وبشّرها بميلاد يسوع. آمنت مريم بأنّها نالت حظوة في عينيّ الربّ، وبأنّها ممتلئة نعمة، لأنّ الربّ معها، ينظر إليها بحبّ وشغف، فيمنحها السلام والفرح، ويجعلها أمًّا لابنه الحبيب. قبلت مريم حبّ الله العظيم والعجيب لها، وآمنت بأنّه يريد أن يعطي ابنه للعالم من خلالها وبواسطتها. لا تعرف كيف يكون هذا؟ ولكنّها تستسلم لتيار الروح القدّس الذي يحلّ عليها ويظلّلها، ويقودها إلى آفاق أمومة وحياة تفوق كلّ تصوّر وكلّ فهم. آمنت مريم بأنّ الله محبّة، حياة، فرح وسلام، وبأنّه يريد أن يجعل سكناه فيها ليسكن في كلّ إنسان، في كلّ زمان ومكان.
وكيف يظهر الإيمان في حياة مريم ؟ تلقي بذاتها على كلمة الله، لا تنظر إلى نفسها بل تنطلق في طرق الحياة بسرعة وهمّة وعزم، لا يوقفها صعوبة درب ولا يثنيها عناء المسيرة. هي على الله تتكّل، تنتظر من عنايته الرحمة والنور. تحوّلت مريم إلى إناء للروح القدس، تنصت إلى صوته في أعماقها، وتصغي إليه عبر أحداث حياتها ومجتمعها وبلدها، تسير بهداه، متلمّسة آثاره في علاقاتها بالناس ومجريات الأمور. ولذا أصبحت حياتها كلّها إشعاعًا للروح، حتى تحيّتها لأليصابات، كلماتها البسيطة والعادية مع نسيبتها، صارت ناقلة لروح الفرح والحياة.
في البشارة نزل الروح من علُ على مريم، ومن بعدها صار الروح ينتقل من إنسان إلى إنسان، من مريم إلى أليصابات، عبر الأحاديث الوديّة المعتادة، ومشاركة الهموم الأسريّة والاجتماعيّة، وكذلك الآمال الروحيّة والمشاريع الشخصيّة والعائليّة. بالإيمان حلّ الروح في قلب مريم، وبالإيمان تركت له كلّ المساحة ليملأ حياتها ووجودها، ويستخدمها لمجده. إن إرادة الله هي أن يسكن في حياة كلّ إنسان، في بيته وعمله، في اهتماماته وحاجاته المختلفة، ويصل إلى الناس عبر بشر آمنوا بحضوره ونعمته في حياتهم، لا يتحسسونه في داخلهم بل ينصتون إلى صوته العذب في قلبهم وفي واقع الناس من حولهم، يمضون إلى الأمام في التزاماتهم المهنيّة والكنسيّة والوطنيّة، وهم مؤمنون أنّه يعمل من خلالهم وفيهم، دون أن يدروا كيف يكون هذا وكيف يتحقق ملكوت الله بواسطتهم.
هذه هي عظمة مريم، آمنت بأنّ الله معها وبأنّ روحه يسكن فيها، فوهبت حياتها له، تسمع صوته وهي لا تدري من أين يأتي وإلى أين يذهب، مولودة من الروح (يو3: 8)، لتلد ابن الله في جسدها وحياتها بنعمة الروح، وتعطيه للعالم والبشر بإيمانها ومحبتها ورجائها. ونحن على أعتاب عيد الميلاد، يوجه لنا الله النداء نفسه : إنّي أحبك، قد وجدت حظوة في عينيّ وقلبي، أريد أن أسكن فيك وأن أولد منك في عالمك ومجتمعك اليوم. كيف يكون هذا ؟ هذا يفوق قدرة وإدراك أيّ إنسان، ولكنّه عمل الروح في حياتنا وعالمنا، والرد الوحيد الممكن على هذه الدعوة هو الإيمان على مثال مريم.
إنّ الإيمان هو تخلّي تام عن الذات واستسلام لروح الله ليقودنا في واقعنا البشريّ كي يبني بواسطتنا ومعنا وفينا عالمًا إنسانيًّا حقًّا، تسوده الحرّيّة الحقيقيّة والعدالة الصادقة، عبر أحداث حياتنا اليوميّة والتزاماتنا الصغيرة والمعتادة، من خلال لقاءاتنا البسيطة مع الناس من حولنا. وهذا كلّه بنعمة الإيمان الذي يدرك ما لا تراه العيون، وهو أنّ الله حاضر وساكن في واقعنا الأسريّ والكنسيّ والاجتماعيّ، ويستخدمنا بوجه عجيب لمجده، بالرغم من، بل بفضل الضعف والفقر وقلة الحيلة التي نشعر بها.
في يوم من الأيام، ودون أن نعدّ لذلك، قد نلتقي شخصًا يقول لنا مع أليصابات: طوبى لمن آمن، طوبى لمن آمنت، شكرًا على حضورك وعطائك، على كلماتك البسيطة والصادقة، على موقفك الأخويّ. يتغيّر عالمنا بفضل الروح، والروح رقّة وبساطة وعذوبة، لا يدركه إلا من آمن بحضوره ونعمته على مثال مريم، وأعلن عنه بتواضع ووداعة في ظروف حياته المختلفة، وفرح بكلمات التهنئة والتشجيع على الإيمان والمحبّة والرجاء.
طوبى لمن آمنت، فبفضل إيمان مريم صار الابن إنسانّا وتغيرت حياتنا برمتها، إذ عرفنا محبّة الربّ وحنانه ومغفرته، واليوم أيضًا، بفضل إيماننا البسيط ولو كان بمقدار حبّة خردل، يولد يسوع في بيوتنا ومدننا وكنائسنا.
بقلم الأب نادر ميشيل اليسوعيّ
عظات ذات صلة
أحد العائلة المقدّسة
يُسمّى اليوم الثاني للميلاد في الطقس الشرقيّ بعيد “تهنئة العذراء مريم بالطفل يسوع”، وتُقدّم فيه التهاني للأم العذراء. وفي الطقس اللاتينيّ يُكرّس يوم الأحد الّذي يلي الميلاد “للعائلة المقدّسة”، ويضُمّ العيد مريم، ويوسف، والطفل يسوع، تُتلى فيه صلوات خاصّة من أجل الحياة في عائلاتنا والتفاهم والتناغم بين الزوجين، وبين الأهل والأولاد.
« رأت عينايَ خلاصَك »
ماذا رأى سمعان الشيخ ليقول هذه الكلمات: رأت عينايَ خلاصَك؟ لقد كان سمعان رجل صلاة، وفي عمق قلبه أوحى إليه الروح القدس أنّه لن يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الربّ (لو2: 26).
الله معنا
أخبار ذات صلةالقراءات الكتابيّة * أشعيا 7: 10-14 في تلك الأَيّام: كَلَّمَ الرَّبُّ آحازَ قائِلاً: «سَلْ لِنَفسِكَ آيةً مِن عِندِ الرَّبِّ إِلهِكَ، سَلْها إِمَّا في العُمْقِ وإِمَّا في العَلاءَ مِن فَوقُ» فقالَ آحاز: «لا أَسأَلُ ولا أُجَرِّبُ الرَّبّ». قالَ (أَشَعْيا):...
« ها أنا أمَتُكَ »
لقد غيّرت «نَعَم» مريم وجه العالم. ففي اللحظة التي قالت فيها هذه الصبيّة من الناصرة في الجليل: «هاءَنذا»، أصبح الله جزءًا من تاريخ الإنسان، لا كخالقه الكليّ القدرة والبعيد عنه، ولا حتى كهذا الله الذي يسيرُ مع شعبهِ عبرَ تاريخه الطويل، ولكن الله الذي يبحث عن الاتحاد بمحبوبهِ، كمثلِ شابٍّ يسعى للزواج من بكرٍ؛ وفي مريم تزوّج البشريّة.
فرح العطاء فرح الاستقبال
قد نتساءل للوهلة الأولى ما هي العلاقة بين هذه القراءات الثلاث الّتي سمعناها وبشكلٍ خاصّ الأولى والثانية الّتي تحدّثنا عن الفرح، وبين نص الإنجيل حيث يدعو يوحنا المعمدان مستمعيه إلى تغيير تصرّفاتهم ومواقفهم تجاه الآخرين.
«أأنتَ الآتي ؟»
هل يمكن أن يكون لدينا مُرشد أفضل من يوحنا المعمدان لكي يُحضّرُنا لقدوم المخلّص؟ لكن، يبدو لنا في إنجيل اليوم بأنّ يوحنا نفسهُ كان محتارًا. هل يمكن أن يكون الشك قد ساور يوحنا حتى أنّه أرسل تلاميذهُ إلى يسوع يسألهُ بلسانهم: «أأنتَ الآتي، أم آخر ننتظر؟
انتظار المسيح من السلبيّة إلى الإيجابيّة
نحن في زمن الانتظار؛ انتظار ميلاد يسوع المسيح. في هذا الزمن ينقسم المؤمنون إلى ثلاث فئات
أيّ تعزية في انتظارنا؟
أيّ تعزية في انتظارنا؟ فلا عزاء لذلك الّذي يقف على الدور منتظرًا ربطة خبز ليُقيت عائلته، أو ذاك الّذي يداحم الجموع للحصول على اسطوانة غاز يواجه بها البرد القارس الّذي ينخر في عظام عائلته. تبدو وتيرة الأمور في بلادنا على أنّها أسيرة الانتظار، انتظار مجهول المدّة، انتظار يصوّر حالتنا أنّها جامدة، جمود مياه الأمطار الّتي استسلمت لبرودة المناخ.