أحد العائلة المقدّسة
يُسمّى اليوم الثاني للميلاد في الطقس الشرقيّ بعيد “تهنئة العذراء مريم بالطفل يسوع”، وتُقدّم فيه التهاني للأم العذراء. وفي الطقس اللاتينيّ يُكرّس يوم الأحد الّذي يلي الميلاد “للعائلة المقدّسة”، ويضُمّ العيد مريم، ويوسف، والطفل يسوع، تُتلى فيه صلوات خاصّة من أجل الحياة في عائلاتنا والتفاهم والتناغم بين الزوجين، وبين الأهل والأولاد.
« رأت عينايَ خلاصَك »
ماذا رأى سمعان الشيخ ليقول هذه الكلمات: رأت عينايَ خلاصَك؟ لقد كان سمعان رجل صلاة، وفي عمق قلبه أوحى إليه الروح القدس أنّه لن يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الربّ (لو2: 26).
إيمان مريم يفتحها نحو الآخر
وكيف يظهر الإيمان في حياة مريم ؟ تلقي بذاتها على كلمة الله، لا تنظر إلى نفسها بل تنطلق في طرق الحياة بسرعة وهمّة وعزم، لا يوقفها صعوبة درب ولا يثنيها عناء المسيرة. هي على الله تتكّل، تنتظر من عنايته الرحمة والنور.
القراءات الكتابيّة
* أشعيا 4: 1 – 9
«عَزُّوا عَزُّوا شَعْبي يَقولُ إِلهُكم خاطِبوا قَلبَ أُورَشَليم ونادوها بأَن قد تَمَّ تجَنُّدُها وَ غُفِرَ إِثمُها وَ استَوفَت مِن يَدِ الرَّبِّ ضِعفَينِ عن جَميعِ خَطاياها». صَوتُ صارخ في البَرِّيَّة: «أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ واجعَلوا سُبُلَ إِلهِنا في الصَّحْراءِ قَويمة. كُلُّ وادٍ يمتَليء وكُلُّ جَبَلٍ وتَلٍّ يَنخَفِض والمُعوَجُّ يَتَقَوَّم ووَعرُ الطَّريقِ يَصيرُ سَهلاَّ ويَتَجَلَّى مَجدُ الرَبِّ ويُعايِنُه كُلُّ ذي جَسَد لِأَنَّ فَمَ الرَّبِّ قد تَكَلَّم». إِصعَدي إِلى جَبَلٍ عالٍ يا مُبَشِّرَةَ صِهيون؛ إِرفَعي صَوتَكِ بِقُوَّة، يا مُبَشِّرَةَ أُورَشَليم. إِرفَعيه، ولا تَخافي، قولي لِمَدائن يَهوذا: «هُوَذا إِلهُكم، هُوَذا السَّيِّدُ الرَّبُّ يَأتي بِقُوَّة، وذِراعُه مُتَسَلِّطَة: هُوَذا جَزاؤُه معَه، وعَمَلَهُ قُدَّامَه. يَرْعى قَطيعَه كالرَّاعي؛ يَجمَعُ الحُمْلانَ بِذِراعِه، ويَحمِلُها في حِضنِه، ويَستاقُ المُرضِعاتِ رُوَيدًا».
* بطرس الثانية 3: 8 – 14
وهُناكَ أَمْرٌ لا يَصِحُّ لَكم أَن تَجهَلوه أَيُّها الأَحِبَّاء، وهو أَنَّ يَومًا واحِدًا عِندَ الرَّبَ بمِقدارِ أَلْفِ سَنة، وأَلْفَ سنَةٍ بِمِقدارِ يَومٍ واحِد. إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النَّاس؛ ولكِنَّه يَصبرُ علَيكم، لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَد، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ التَّوبَة. سيَأتي يَومُ الرَّبِّ كما يأتي السَّارِق، فتَزولُ السَّمَواتُ في ذلِكَ اليَومِ بدَوِيٍّ قاصِف، وتَنحَلُّ العَناصِرُ مُضطَرِمة، وَتَظْهَرُ الأَرضُ وَأَعْمالُها. فإِذَا كانَت هذه الأَشياءُ ستَنحَلُّ على ذلك الوَجْه، فكَيفَ يَجبُ علَيكم أَن تكونوا في قَداسَةِ السِّيرَةِ والتَّقْوى، غَيرَ أَنَّنا نَنتَظِرُ، كما وَعَدَ الله، سَمَواتٍ جَديدةً وأَرضًا جديدةً يُقيمُ فيها البِرّ. فاجتَهِدوا أَيُّها الأَحِبَّاء، وأَنتُم تَنتَظِرونَ هذا الأَمْر، أَن يَجِدُكُم اللهُ بِسَلام، لا دَنَسَ فيكُم ولا لَومَ علَيكم.
* مرقس 1: 1 – 8
بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ ابنِ الله: كُتِبَ في سِفرِ النَّبِيِّ أَشَعيا: «هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ. صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة». تَمَّ ذلكَ يَومَ ظَهَرَ يوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، يُنادي بِمَعمودِيَّةِ التَوبَةِ لِغُفرانِ الخَطايا. وكانَ يَخرُجُ إِليه أَهْلُ بِلادِ اليَهودِيَّةِ كُلُّها، وجَميعُ أَهلِ أُورَشَليم، فيَعتَمِدونَ عن يَدِه في نَهرِ الأُردُنّ، مُعتَرِفينَ بِخطاياهم. وكانَ يوحنَّا يَلبَسُ وَبَرَ الإِبِل، وزُنَّارًا مِن جِلْد، وكانَ يَأكُلُ الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ. وكانَ يُعلِنُ فيَقول: «يَأتي بَعدي مَن هو أَقوى مِنيِّ، مَن لَستُ أهلاً لِأَن أَنَحنِيَ فأَفُكَ رِباطَ حِذائِه. أَنا عَمَّدتُكم بِالماء، وأَمَّا هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس».
العظة
أيّ تعزية في انتظارنا؟ فلا عزاء لذلك الّذي يقف على الدور منتظرًا ربطة خبز ليُقيت عائلته، أو ذاك الّذي يداحم الجموع للحصول على اسطوانة غاز يواجه بها البرد القارس الّذي ينخر في عظام عائلته. تبدو وتيرة الأمور في بلادنا على أنّها أسيرة الانتظار، انتظار مجهول المدّة، انتظار يصوّر حالتنا أنّها جامدة، جمود مياه الأمطار الّتي استسلمت لبرودة المناخ. ننتظر، ولكن بطبعنا نحن البشر، نرجو ونفتح لأنفسنا منافذ من الأمل: “هانت، إن شاء الله، الله كريم…”.
يحفّز هذا الأمل مشاعر وأمنيات تتفاعل وتفاصيل حياتنا اليوميّة وتتقلّب وفقها. لكنّ هذه الأمنيّات لها أهمّيّة أعلى من التفاصيل الّتي تحفّزها. فهذه الأمنيات هي الّتي نستثمر فيها طاقاتنا، ونحلم بمشاريع نودّ تحقيقها، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة. وعلى اختلافها تبقى هذه الانتظارات أسيرة الأمل.
لكن ثمّة نوع آخر من الانتظار، انتظار يهب تعزيةً أكبر لأنّه مبنيّ على أملٍ أعمق وأوسع، انتظار مبنيّ على “الرجاء“. هذا الرجاء لا يبتغي احتياجات ماديّة وزمنيّة، بل يرجو هناء شعب الله وخلاصهم. يميّز اللاهوتيّ جوزيف بايبر الرجاء عن الأمل بالتالي: ” إنّ الرجاء يظهر عندما تذهب جميع آمالنا مهبّ الريح“. هو رجاء القدّيسين والشهداء، عندما تلاشت جميع آمالهم في الدنيا.
إنّ هذا الرجاء لمتجذّر في خبرة شعب اسرائيل، وهذا ما دفع أشعيا ليُنادي: “عزّوا، عزّوا شعبي يقول الرّب…”. فأيّ تعزية يقدّمها الله هنا؟ هذه التعزية هي وعد الله، الّذي سيعمل من أجل شعبه، وهذا الوعد هو الّذي يجذّر إيماننا، ويجعلنا أمّة راجية مؤمنة بخالقها وفيّ الكون والتاريخ. هذه التعزية الحقيقيّة لأنّها وليدة رجاء قائم على إلهنا، وليس أمل قائم على المادّيات.
لقد وعد الله شعبه بواسطة أشعيا، أنّ هذا الوعد لا يُخيّب، وهو بين أيدي من يخافون الله. ويُعيد القدّيس مرقس الإنجيليّ الوعد ذاته، ليؤكّد على أنّ تمام وعد الله، هو بداية بشارة يسوع المسيح، ابن الله. وإذ كان رجاء الجماعة المسيحيّة الأولى في أنّ يسوع سيحقّق ما تنبّأ به أشعيا النبي، ويؤسّس ملكوت الله في الصورة الّتي رجتها هذه الجماعة، ومع موت يسوع المسيح وقيامته، لم تنكس جماعة الرسل وعدها للمسيح ورسالته، بل أسّست الكنيسة على رجاء أعمق: إنّ جود الله وأمانته لوعده الّذي قطعه لنا، لا سلطة لنا عليه البتّة، ولا يخضع لحساباتنا ومخطّطاتنا الدنيويّة البتّة.
جاء في رسالة القدّيس بطرس الثانية، إنّ الرجاء المدعوّون إليه هو رجاء يهب التعزية لأنّه يفوق كلّ أملٍ بشريّ يمكن أن نتصوّره، فهو ليس بشيءٍ نحتاجه، وليس أمرًا نريده. إنّه رجاء في المسيح ومع المسيح، لأنّ المسيح سيعود في مجيئه الثاني، وحينها فقط تجد انتظاراتنا ما ترجوه بالفعل، وتتمّ جميع رغباتنا الأصيلة. وعليه يجب أن نعي أيضًا، أن رجاءنا ليس تغييبًا للأمل، ولا انتظارًا ملؤه الملل، أو حلمًا لا يمكن تحقيقه. فتعزيتنا هي من عند الله، الّذي يأتي ويحلّ فيما بيننا عندما تتلاشى جميع الآمال. ومجيء يسوع مخلّصنا الثاني هو اليوم، وكلّ يوم… فلا انتظار عند الّذين يرجوه، فهم في تهيئة مستمرّة ليستقبلوا مخلّصهم في حياتهم في كلّ حين.
ابتسم عندما يقتلك الملل وأنت تنتظر دورًا للحصول على أمرٍ أو شيء. فالله الّذي نرجوه لا يعرف تلك التعقيدات، وهو سبق أن حلّ فيما بيننا، وما علينا سوى دعوته إلى حياتنا ليسكن معنا.
ترجمها بتصرّف طوني حمصي اليسوعيّ
عظات ذات صلة
أحد العائلة المقدّسة
يُسمّى اليوم الثاني للميلاد في الطقس الشرقيّ بعيد “تهنئة العذراء مريم بالطفل يسوع”، وتُقدّم فيه التهاني للأم العذراء. وفي الطقس اللاتينيّ يُكرّس يوم الأحد الّذي يلي الميلاد “للعائلة المقدّسة”، ويضُمّ العيد مريم، ويوسف، والطفل يسوع، تُتلى فيه صلوات خاصّة من أجل الحياة في عائلاتنا والتفاهم والتناغم بين الزوجين، وبين الأهل والأولاد.
« رأت عينايَ خلاصَك »
ماذا رأى سمعان الشيخ ليقول هذه الكلمات: رأت عينايَ خلاصَك؟ لقد كان سمعان رجل صلاة، وفي عمق قلبه أوحى إليه الروح القدس أنّه لن يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الربّ (لو2: 26).
إيمان مريم يفتحها نحو الآخر
وكيف يظهر الإيمان في حياة مريم ؟ تلقي بذاتها على كلمة الله، لا تنظر إلى نفسها بل تنطلق في طرق الحياة بسرعة وهمّة وعزم، لا يوقفها صعوبة درب ولا يثنيها عناء المسيرة. هي على الله تتكّل، تنتظر من عنايته الرحمة والنور.
الله معنا
أخبار ذات صلةالقراءات الكتابيّة * أشعيا 7: 10-14 في تلك الأَيّام: كَلَّمَ الرَّبُّ آحازَ قائِلاً: «سَلْ لِنَفسِكَ آيةً مِن عِندِ الرَّبِّ إِلهِكَ، سَلْها إِمَّا في العُمْقِ وإِمَّا في العَلاءَ مِن فَوقُ» فقالَ آحاز: «لا أَسأَلُ ولا أُجَرِّبُ الرَّبّ». قالَ (أَشَعْيا):...
« ها أنا أمَتُكَ »
لقد غيّرت «نَعَم» مريم وجه العالم. ففي اللحظة التي قالت فيها هذه الصبيّة من الناصرة في الجليل: «هاءَنذا»، أصبح الله جزءًا من تاريخ الإنسان، لا كخالقه الكليّ القدرة والبعيد عنه، ولا حتى كهذا الله الذي يسيرُ مع شعبهِ عبرَ تاريخه الطويل، ولكن الله الذي يبحث عن الاتحاد بمحبوبهِ، كمثلِ شابٍّ يسعى للزواج من بكرٍ؛ وفي مريم تزوّج البشريّة.
فرح العطاء فرح الاستقبال
قد نتساءل للوهلة الأولى ما هي العلاقة بين هذه القراءات الثلاث الّتي سمعناها وبشكلٍ خاصّ الأولى والثانية الّتي تحدّثنا عن الفرح، وبين نص الإنجيل حيث يدعو يوحنا المعمدان مستمعيه إلى تغيير تصرّفاتهم ومواقفهم تجاه الآخرين.
«أأنتَ الآتي ؟»
هل يمكن أن يكون لدينا مُرشد أفضل من يوحنا المعمدان لكي يُحضّرُنا لقدوم المخلّص؟ لكن، يبدو لنا في إنجيل اليوم بأنّ يوحنا نفسهُ كان محتارًا. هل يمكن أن يكون الشك قد ساور يوحنا حتى أنّه أرسل تلاميذهُ إلى يسوع يسألهُ بلسانهم: «أأنتَ الآتي، أم آخر ننتظر؟
انتظار المسيح من السلبيّة إلى الإيجابيّة
نحن في زمن الانتظار؛ انتظار ميلاد يسوع المسيح. في هذا الزمن ينقسم المؤمنون إلى ثلاث فئات