أخبار ذات صلة

Message in English Here

وصلت إلى حلب بصحبة الآباء اليسوعيّين مراد أبو سيف، طوني حمصي، نورس السمّور يوم السبت ١١ شباط / فبراير. وكان قد سبقنا بأيّام قليلة الأب طوني أوريوردان اليسوعيّ الأيرلنديّ الجنسيّة، وهو يشغل منصب المدير القطريّ للهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين JRS، وقاد تدخّل فريقه في حلب في هذه الأزمة.

عندما وصلنا إلى منزلنا في منطقة العزيزيّة، مررنا بالقرب من أنقاض مبنى “السوق الحرّة” الّذي انهار تمامًا ممّا أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، أحدهم الكاهن عماد ضاهِر، وقد كان الأسقف الفخريّ للكنيسة الملكيّة الكاثوليكيّة، المونسنيور جانبارت في المبنى عينه في أثناء الانهيار، وقد انتشله رجال الإنقاذ.

كنت أتوقّع أن أرى في حلب الصور نفسها الّتي رأيتها للزلزال في تركيّا: أحياء سوّيت بالأرض بأكملها. لكنّ الأمر ليس على هذا النحو في حلب. لقد انهار عدد معيّن من المباني، حوالى ٨٠ تقريبًا، وقد انهارت وسط مبانٍ أُخرى ما زالت صامدة. على الرغم من ذلك، فإنّ وضع عدد كبير منها أصبح خطيرًا، ويُمنع الناس من دخولها.  تمّ تنظيم أكثر من ١٠٠ فريق من المهندسين المدنيّين لاستطلاع حالتها وتأثيرها على السلامة العامّة.

إنّ أكثر ما أدهشني هو الخوف الّذي ينتشر بين الناس، فهم مصدومون، ويخشون العودة إلى بيوتهم. كانت الحياة في حلب صعبة جدًّا في الاثني عشر عامًا الماضية، بسبب الحرب والدمار الهائل، وانقطاع الكهرباء والوقود اللازم للتدفئة، في مدينة تُعرف بشتائها القارس. ثمّة عدد قليل من الوظائف المتاحة، وكان أثر التضخّم في العامين الماضيين كبيرًا، لحدّ أنّ الناس أصبحوا غير قادرين على شراء الضروريّات، وتُحرم العائلات من أكل اللحوم أو الدجاج لعدّة أسابيع. ومع ذلك، فقد تمكّنوا من البقاء على قد الحياة، راجين أيّام أفضل. لقد سلبهم هذا الزلزال – أو بالأحرى الزلازل – بصيص الأمل المتبقّي، فما عاينوه كان أمرًا مروّعًا.

في أعقاب الزلزال الأوّل الّذي ضرب المدينة حوالى الساعة الخامسة صباحًا، فرّ الناس من منازلهم، وتجمّعوا تحت المطر والبرد القارس في الساحات العامّة. قابلت بعض الأشخاص الّذين كانوا في فراشهم عندما ضرب الزلزال بيتهم، ولم يتمكّنوا من مغادرة منزلهم في الطابق الرابع. لقد شاركونا اختبارهم المرعب هذا، عندما هزّت جميع الأشياء في منازلهم لفترة طويلة نسبيًّا.

قابلت موظّفة شابّة من الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين، تبلغ من العمر ١٩ عامًا فقط، وأخبرتني أنّ والديها فرّوا من الشقّة، وتركوها وشقيقاها الصغيرين، وجدّتها العجوز بمفردهم. وشاركتني كيف تغلّبت على مشاعر الخوف، وكيف أخرجتهم بمفردها. شاركتني موظّفة أُخرى من الهيئة، أنّ عمّها قد نجا من الزلزال وذهب ليقطن في منزل ابنته الآن. في الصباح، خرج إلى حديقة ذلك المنزل ليتفقّده، فقتلته كتلة حجريّة سقطت من سطح المبنى المجاور في لحظتها. وقد أصغيت إلى الكثير من الخبرات المماثلة.

فتحت الكنائس والمساجد قاعاتها لإيواء آلاف الأشخاص الّذين نزحوا من بيوتهم. استقبلت كنيسة القدّيس إلياس للروم الأرثوذكس مئات من الأشخاص في قاعة الكنيسة. وهذه القاعات مُدفّأة، وتعمل المولّدات الكهربائيّة على تزويدها بالطاقة. كما تقدّم الكنيسة ثلاث وجبات في اليوم لجميع المقيمين فيها، – سواء كانوا مسيحيّين أو مسلمين. كما تقدّم العديد من الجمعيات المحلّيّة المساعدات الطارئة، وهي تستقبل تبرّعات من داخل سوريا أيضًا.

نحمد الله على أنّ اليسوعيّين الأربعة المقيمين بشكلٍ دائم في حلب بخير، كما هو الحال مع أعضاء فريق الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين، كما تمّ تخصيص الأيّام الأولى لرعيّتهم والاهتمام باحتياجاتهم الفوريّة. علمًا أنّ مايكل غبريال اليسوعيّ، وهو يمضي خبرته الرسوليّة في حلب، يعمل معهم على الدوام. أمّا الأب ألڤارو دورنتس اليسوعيّ فقد كان على تواصل مع الطلّاب الجامعيّين الّذين يأتون للدراسة في الـ “Study Zone” والمركز اليسوعيّ للتكوين، وقد أوجد مأوى للطالب الوحيد الّذي بقي من دون مسكن. كما تُستأنف هذه الأنشطة ابتداءً من اليوم. أمّا الأخ ميشيل داود فقد تابع وضع أفراد جماعة الحياة المسيحيّة CVX وعائلاتهم، وهم يبحثون في كيفيّة مساعدة الآخرين.

كذلك زرت المونسنيور أنطوان أودو اليسوعيّ، يوح الأحد بعد القدّاس الّذي أٌقيم في الكاتدرائيّة الكلدانيّة. لم يكن هناك سوى بعض الأضرار الطفيفة في مبنى الكنيسة الّتي يمكن إصلاحها بسهولة. أمّا مايك قسّيس اليسوعيّ، الّذي يمضي خدمته الرسوليّة في دمشق، كان في حلب بسبب امتحاناته الجامعيّة، وهو وعائلته بخير.

أنا راضٍ عن الاستجابة المبكّرة والفوريّة. لكنّنا نمرّ بأزمة متوسّطة الأمد، ونحتاج إلى إيجاد سكن لآلاف الأشخاص في مدينة تُعاني بالفعل من أزمة طويلة الأمد. تقوم الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين بإعداد خطّة استجابتها بحسب هذه الاعتبارات المذكورة، وقد استأنفت بالفعل خدماتها في المناطق الّتي تتواجد فيها: الهلّك، والصاخور، والميدان. حيث تقدّم الرعاية الصحّيّة الأوّليّة المجّانيّة، ويتابعون برنامجهم مع أطفال منطقة الصاخور.

ستُساعد هذه الأنشطة الأطفال على التعافي من آثار الزلزال النفسيّة.  تقترح أيضًا زيادة الخدمة الطبيّة بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوريّ، لتشمل مجموعة أكبر. كما يتمّ التخطيط لإجراء تقييمات لاحتياجات ونقاط العوز في ثمانية ملاجئ موزّعة في الأحياء الّتي تعمل فيها لإعداد الخدمات الّتي يمكنها تقديمها بشكلٍ أفضل.

غادرت حلب معجبًا بشجاعة أخوتي اليسوعيّين، والعمل الّذي يقومون به، وتجاوبهم السريع في ظلّ هذا الوضع الصعب، وأعتقد أنّهم بقوّتهم العاملة الّتي تبلغ ١٤٠ فردًا في حلب، فهم لديهم القدرات والمقدرات اللازمة للقيام بهذه الخدمة.

في حمص، بدأ اليسوعيّون بالفعل في مساعدة العديد من الأشخاص الّذين نزحوا من حلب، وكانوا يبحثون عن مأوى هناك، والعديد منهم لجأوا إلى أصدقائهم أو أفراد عائلتهم. قام اليسوعيّون بتنظيم توزيع البطانيات، والوجبات الساخنة. ففي اليوم الأوّل وزّعنا ٧٠ وجبة، وبالأمس ارتفع العدد إلى ٣٥٠ وجبة. عادةً ما نقدّم خدمة كبيرة عن طريق التعليم المسيحيّ لحوالى ١٠٠٠ طفل، و٤٠٠ طالب جامعيّ، وهم يأتون إلينا مرّة واحدة في الأسبوع، ويكوّنهم ١٧٠ مربّي. لذلك، ننعم بمجموعة كبيرة من الشبّان والشابات الكرماء الّذين يرغبون في المساعدة في أعمال الإغاثة من الزلزال، وكأوّل ردّة فعل، أرادوا التوجّه إلى حلب للمساعدة. قام اليسوعيّان جيري ورامز، وهم أيضًا ضمن الخبرة الرسوليّة في تكوينهم هنا في حمص، بتوجيه هذه الطاقات لمساعدة الأشخاص الّذي فرّوا من حلب إلى حمص. واليوم، أصبح ديرنا في بستان الديوان خليّة نحل. إذ يقوم العديد من الشباب بفرز الملابس، وإعداد الطعام وطهيه في مطبخنا.

الكلّ سعيد هنا لأنّه قادرٌ على المساعدة بطريقة أو بأُخرى. إنّه لأمرٌ رائع أن نرى كيف تجتمع الجماعات بأكملها في أعقاب هذه الكارثة للمساعدة، كيف أنّ بعضهم يقدّم ما لديه من بطانيات وملابس، وآخر يجلب ما توافر لديه من مواد غذائيّة. هؤلاء الأشخاص الّذين لا يملكون سوى القليل، أو ما ندر، يعطون ممّا يحتاجون إليه للأشخاص الّذين لديهم أقل، أو لا شيء.

أخيرًا، انتدُب الأخ جيري ليواصل هذه الخدمة المهمّة مع الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين في الأشهر الثلاثة القادمة.

الأب مايكل زاميط مانجيون
في ١٥ – ٢- ٢٠٢٣

أخبار ذات صلة

Share This